أم سلمة هند بنت أبي أمية
" أم سلمة أول المهاجرات الى الحبشة و أول المهاجرات الى المدينة "
أعلام النبلاء
هي:
أم سلمـة هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظـة بن مرّة المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبي جهل عدو الله
أبـوها يلقب بـ( زاد الراكب ) فكل من يسافر معه يكفيـه المؤن ويغنيه
ولِدت في مكة قبل البعثة بنحو سبعة عشر سنة ، وكانت من أجمل النسـاء و
أشرفهن نسبا ، وكانت قريباً من خمس وثلاثين سنة عندما تزوّجها النبي الكريم
سنة أربع للهجرة وكانت قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أخيـه من
الرضاعة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح
الهجرة الى الحبشة
أم سلمة -رضي الله عنها- امرأة ذات شرف في أهلها ، وهي ابنة أحد أجود رجال العرب ، جادت بنفسها في سبيل إيمانها ، فكان أول من خرج من المسلمين الى الحبشة من بني مخزوم أبو سلمة بن عبد الأسد ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وولدت له بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة وتعود أم سلمة مع زوجها الى مكة مستخفية عن أنظار الظالمين ، وتصبر في سبيل الله وتوحيده ، حتى آذن الله لهم بالهجرة الى المدينة المنورة
الهجرة الى المدينة
تروي أم سلمة -رضي الله عنها- قصة هجرتها الى المدينة فتقول:
( لما أجمع أبو سلمة الخروج الى المدينة رحّل بعيراً له ، وحملني وحمل معي ابني سلمة ، ثم خرج يقود بعيره ، فلما رآه رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا :
( هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتنا هذه ، على مَ نتركك تسير بها في البلاد ؟) ونزعوا خطام البعير من يده ، وأخذوني ، فغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ، وأهووا الى سلمة وقالوا ( والله لا نترك ابننا عندها ، إذا نزعتموها من صاحبنا ) فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الأسد ، ورهط أبي سلمة ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة ، ففرق بيني وبين زوجي وابني
فكنت أخرج كلّ غداة ، وأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي سبعاً أو قريبها ، حتى مرّ بي رجل من بني عمي فرأى ما في وجهي ، فقال لبني المغيرة :
( ألا تخرجون من هذه المسكينة فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ؟)
فقالوا ( الحقي بزوجك إن شئت ) وردّ علي بنو عبد الأسد عند ذلك ابني
فرحلت بعيري ، ووضعت ابني في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ، وما معي من أحد من خلق الله ، فكنت أبلغ من لقيت ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار ، فقال ( أين يا بنت أبي أمية ؟) قلت ( أريد زوجي بالمدينة ) فقال ( هل معك أحد ؟) فقلت ( لا والله إلا الله ، وابني هذا ؟)
فقال ( والله ما لك من منزل ) فأخذ بخطام البعير ، فانطلق معي يقودني ، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه أكرم منه ، وإذا نزل المنزل أناخ بي ثم تنحى الى الشجرة ، فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح قام الى بعيري فقدمه ورحله ثم استأخر عني
وقال ( اركبي ) فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ، فقادني حتى نزلت ، فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي المدينة.
فلما نظر الى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال :
( إن زوجك في هذه القرية )
وكان أبو سلمة نازلاً بها ، فيستقبل أبو سلمة أم سلمة وابنه معها ، بكل بهجة وسرور ، وتلتقي الأسرة المهاجرة بعد تفرّق وتشتّت وأهوال
وفاة أبو سلمة
ويشهد أبو سلمة غزوة أحد ، ويصاب بسهم في عضده ، ومع أنه ظنّ أنه التأم ، عاد وانفض جرحه فأخلد الى فراشه ، تمرضه أم سلمة الى أن حضره الأجل وتوفاه الله وقد قال عند وفاته ( اللهم اخلفني في أهلي بخير ) فأخلفه الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- على زوجته أم سلمة بعد انقضاء عدّتها حيث خطبها وتزوجها ، فصارت أماً للمؤمنين ، وصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربيب بنيه ( عمر وسلمة وزينب )
البيت النبوي
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أم سلمة ، فدخل عليها الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ، ثم أدخلهما تحت ثوبه ، ثم جأر الى الله عزّ وجل ثم قال ( هؤلاء أهل بيتـي ) فقالت أم سلمـة -رضي الله عنها- ( يا رسـول الله ، أدخلني معهم !) فقال -صلى اللـه عليه وسلم- ( أنتِ من أهلي ) وبهذا أدخل على نفسها الطمأنينة وكان -صلى اللـه عليه وسلـم- يهتم بأبنائهـا كأنهم أبنائه فربيبتـه زينـب بنت أبي سلمة أصبحـت من أفقه نساء أهل زمانها وبلغ من إعزازه -صلى الله عليه وسلم- لربيبـه سلمة بن أبي سلمة أن زوجـه بنت عمه الشهيد حمـزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-
المشاركة في الغزوات
لقد صحبت أم المؤمنين أم سلمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوات كثيرة ، فكانت معه في غزوة خيبر وفي فتح مكة وفي حصاره للطائف ، وفي غزو هوازن وثقيف ، ثم صحبتْهُ في حجة الوداع
ففي السنة السادسة للهجرة صحبت أم سلمة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الحديبية ، وكان لها مشورة لرسول الله أنجت بها أصحابه من غضب اللـه ورسولـه ، وذلك حين أعرضوا عن امتثال أمره ، فعندما فرغ الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- من قضية الصلـح قال لأصحابه ( قوموا فانحروا ثم احلقوا ) فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة فذكر لها ما لقي من عدم استجابة الناس ، وما في هذا من غضب لله ولرسوله ، ومن تشفي قريش بهم ، فألهم الله أم سلمة -رضي الله عنها- لتنقذ الموقف فقالت ( يا نبي الله ، أتُحبُّ ذلك ؟) -أي يطيعك الصحابة- فأومأ لها بنعم ، فقالت ( اخرج ثم لا تكلّمْ أحداً منهم كلمةً حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعو حالِقكَ فيحلقُكَ )
فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يُكلّم أحداً ، ونحر بُدْنَهُ ، ودعا حالِقَهُ فحلقه ، فلما رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً ، وبذلك نجا الصحابة من خطر مخالفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أم سلمة وعائشة
لقد كان لأم سلمة -رضي الله عنها- مشورة ثانية لأم المؤمنين عائشة ، وذلك حين عزمت الخروج لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، فكتبت لها في عُنف وإنكار شديد فقالت ( إنك سُدّةٌ بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروبٌ على حرمته ، قد جمع القرآن الكريم ذيلكِ ، فلا تندحيه ، وسكّن الله عقيرتك فلا تصحريها -أي صوتك لا ترفعيه- الله من وراء هذه الأمة ، ما كنت قائلةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ؟ ولو أتيتُ الذي تُريدين ، ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى الله هاتكةً حجاباً قد ضربَهُ عليَّ ) وذكرت كلاماً تحرضها فيه على عدم الخروج
فكتبت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها- تقول ( ما أقبلني لوعظك ، وما أعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنِعْمَ المطلعُ مطلعٌ فزعتْ فيه الى فئتان متناجزتان )
وفاتها
كانت أم سلمة -رضي الله عنها- أخر من مات من أمهات المؤمنين ، فتوفيت سنة إحدى وستين من الهجرة وعاشت نحواً من تسعين سنة
زينب بنت جحش
" أسرعكـنّ لِحاقاً بي أطولَكُـنَّ يداً "
حديث شريف
هي :
زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صيرة بن مرّة بن كثير بن غنم بن
دودان بن أسد بن خزيمة ، أم المؤمنين وأمُّها أميمة بنت عبد المطلب عمّـة
رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولدت بمكة قبل البعثة بسبع عشرة
سنة وكانت من المهاجرات الأول ، أسلمت قديماً
زواجها من زيد
كان زيد بن حارثة مولى للسيدة خديجة -رضي الله عنها- ، فلمّا تزوّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم-وهَبَته له ، وتبناه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأصبح زيد بن محمد ، وبعد الإسلام نزل قوله تعالى ( وادعوهم لآبائهم ) فعاد من جديد زيد بن حارثة
وأما قصة زواجه من السيـدة زينـب تعود الى أن زينب قد خطبها عدّة من قريش فأرسلت أختـها ( حمنة ) الى رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- تستشيره ، فقال الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ( أين هي ممن يُعلّمها كتاب ربّها وسنّة نبيها ؟)
قالت حمنة ( ومن هو يا رسـول الله ؟) قال ( زيد بن حارثة ) فغضبت ( حمنة ) غضباً شديداً وقالت ( يا رسول الله ! أتزوج ابنة عمّتك مولاك ؟!) وعادت الى زينب فأخبرتها ، فغضبت زينب وقالت أشد من قول أختها فأنزل الله تعالى
قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أنْ يكون لهم الخِيرة من أمرهم )
فأرسلت زينـب الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- وقالت
( إني استغفر الله وأطيع الله ورسولـه ، افعل يا رسول الله ما رأيت )
فزوّجها الرسول -صلى الله عليه وسلم- زيداً ، فكانت أزراً عليه ، وشكاها زيد الى الرسول الكريم ، فعاتبها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال لزيد
( أمسِكْ عليك زوجك واتّق الله ) فقال زيد ( أنا أطلقها ) وطلقها زيد -رضي الله عنه-
تزويج من السماء
وبينما الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- عند السيـدة عائشـة ، إذ أخذتـه غشيـةٌ فسُـرِّي عنه وهو يبتسـم و يقـول ( من يذهب الى زينـب يُبشِّرُها ؟) وتـلا
قال تعالى ( وإذْ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسكْ عليك زوجكَ واتقِ اللهَ وتُخْفي في نفسكَ ما اللهُ مُبْدِيه وتَخْشى الناس والله أحقُّ أن تخْشَاهُ ، فلمّا قضى زَيْدٌ منها وَطَراً زَوَّجْنَاكها لكي لا يكون على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدْعيائهم إذا قضوا منهنّ وَطَراً ، وكان أمْرُ اللهِ مَفْعولاً )
فعندما انقضت عِدّة زينب -رضي الله عنها- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لزيْد بن حارثة ( اذهب فاذْكرها عليّ ) فانطلق حتى أتاها وهي تخمّرُ عجينها ، قال
( فلمّا رأيتها عظمَتْ في صدري حتى ما أستطيع أن أنظـر إليها ، وأقول إن رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرها فولّيتُها ظهري ، ونكصت على عقبي وقُلتُ
( يا زينب أبشري أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرك ؟)
قالت ( ما أنا بصانعةٍ شيئاً حتى أؤامِرَ ربيّ عز وجل )
فقامت الى مسجدها ونزل القرآن وجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها
تقول السيدة زينب ( لمّا انقضتْ عِدّتي لم أعلم إلا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دخل عليّ بيتي ، وأنا مكشوفة الشعر ، فعلمت أنه أُمِرَ من السماء ،
فقلت ( يا رسول الله : بلا خطبة ولا إشهاد ؟!)
قال -صلى الله عليه وسلم- ( الله زوّجَ وجبريل الشاهد ) وتزوّج الرسول -صلى الله عليه وسلم- امرأة زيد بعده ، وانتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذي يتبنى غيره يصير ابنه وكانت وليمة العرس حافلة مشهودة ، ذبح النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- شاة ، وأمر ( أنس بن مالك ) أن يدعوَ الناس الى الوليمـة ، فترافدوا أفواجاً أفواجاً ، يأكل كل فوج ويخرج ، ثم يدخل فوجٌ آخر ، حتى أكلوا كلُّهم
الفخر
لقد كانت السيدة زينب تفتخر بزواجها من الرسول -صلى الله عليه وسلم-
وتقول ( يا رسول الله إني والله ما أنا كإحدى نسائِكَ ، ليست امرأة من نسائِك إلا زوّجها أبوها أو أخوها أو أهلها ، غيري زوّجِنيك الله من السماء )
وقد كانت -رضي الله عنها- تفتخر على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول
( زوّجكُنّ أهاليكنّ ، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سموات )
فلمّا سمعتها السيدة عائشة -رضي الله عنها-
قالت ( أنا التي نزل عذري من السماء ) فاعترفت لها زينب -رضي الله عنها-
السخاء والجود
لقد سميت السيد زينب بأم المؤمنين ومفزع اليتامى وملجأ الأرامل ، وقد اكتسبت تلك المكانة بكثرة سخائها وعظيم جودها ، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لنسائه
( أسْرعكُنّ لحاقاً بي أطوَلَكُنّ يداً ) تقول السيدة عائشة ( كنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول ، فلم نَزَل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش ، ولم تكن بأطولنا ، فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أراد طولَ اليدِ بالصدقة ، وكانت زينب امرأةً صناعَ اليد ، فكانت تَدْبَغُ وتخرزُ وتتصدق به في سبيل الله تعالى )
وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عطاؤها اثني عشر ألفاً ، لم تأخذه إلا عاماً واحداً ، فجعلت تقول ( اللهم لا يدركني هذا المالُ من قابل ، فإنه فتنة ) ثم قسّمته في أهل رَحِمِها وفي أهل الحاجة ، فبلغ عمر فقال ( هذه امرأة يُرادُ بها خيراً ) فوقف عليها وأرسل بالسلام ، وقال ( بلغني ما فرّقت ، فأرسل بألف درهم تستبقيها ) فسلكت به ذلك المسلك
وفاتها
توفيـت السيـدة زينـب سنـة عشريـن من الهجـرة وهي بنـت خمسيـن ، وصلّى عليهـا عمـر بـن الخطـاب أميـر المؤمنيـن ، ودُفنـت في البقيـع -رضـي اللـه عنها-
قالت السيدة عائشة ( رحِمَ الله زينب ، لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ، إن الله زوّجها ، ونطق به القرآن ، وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال لنا
( وأسْرَعَكُنّ بي لُحوقاً أطولكُنَّ باعاً ) فبشَّرها بسرعة لحوقها به ،وهي زوجته في الجنة
جويرية بنت الحارث
"ما أعلم امرأةً أعظمُ بركة منها على قومها "
السيدة عائشة
هي :
جُوَيْرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية
كان اسمهـا ( برَّة ) فسمّاها الرسول -صلى اللـه عليه وسلم- ( جويرية )
ولدت فبل البعثـة بنحو ثلاثة أعوام تقريباً ، وتزوجها الرسول الكريم وهي
ابنة عشرين سنة ، وكان أبوها الحارث سيّداً مطاعاً ، قدم على النبي -صلى
الله عليه وسلم- فأسلم
الأسر
وفي السنة السادسة للهجرة ، وبعد غزوة بني المصطلق أصاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبياً كثيراً قسّمه بين المسلمين ، وكان ممن أصاب يومها من السبايا جويرية بنت الحارث ، فلما قسّم السبايا وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، ولا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تستعينه في كتابتها ،
وقالت له ( يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فهل لك في خير من ذلك ؟)
قالت ( وما هو يا رسول الله ؟) قال ( أقضي عنك كتابتك وأتزوجك )
قالت ( نعم يا رسول الله ) قال ( لقد فعلت )
العتق
وخرج الخبر الى الناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تزوّج جويرية ، فقال الناس ( أصهار رسول الله ) وأرسلوا ما بأيديهم ،
قالت السيدة عائشة ( فلقد أعتق بتزويجه إياها مئة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها )
والدها الحارث
أقبل الحارث ( والد جويرية ) الى المدينة بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيّبهما في شِعْبٍ من شعاب العقيق ،
ثم أتى الى الرسـول -صلى اللـه عليه وسلـم- وقال ( يا محمـد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ) فقال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-
( فأين البعيران اللذان غَيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا ؟)
فقال الحارث ( أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ! فوالله ما اطّلع على ذلك إلا الله ) فأسلم الحارث ومعه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل الى البعيرين فجاء بهما
بيت النبوة
ولقد عاشت أم المؤمنين ( جويرية ) في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كزوجة كريمة مُعزّزة ، فكانت خير مثل يُحتذى في رعايتها لبيتها وزوجها وحسن عشرتها معه -صلى الله عليه وسلم-
ولقد كانت كثيرة الإجتهاد بالعبادة لله تعالى ، والإكثار من ذكره المبارك ، والصوم وفعل الخيرات وكان يحرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على تعليمهـا أمور دينها فقد دخل عليها في يـوم جمعـة وهي صائمـة فقال لها ( أصَمْتِ أمس ؟) قالت ( لا )
قال ( أتريديـن أن تصومي غداً ؟) أي السبت مع الجمعة قالت ( لا ) قال ( فأفطري ) لكراهة ذلك
وفي أحـد الأيام خرج الرسـول -صلى الله عليه وسلم- من عندها بُكْرَةً حين صلّى الصبـح ، وهي في مسجدها ، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة
فقال ( مازلت على الحال التي فارقتك عليها ؟) قالت ( نعم )
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
( لقد قُلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مراتً ، لو وزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوَزَنتهنّ : سبحان الله وبحمده عدَدَ خَلْقِه ورضا نفسه ، وزِنة عرشه ، ومِداد كلماته )
وفاتها
توفيت -رضي الله عنها- بالمدينة بعد منتصف القرن الأول من الهجرة سنة ستٍ وخمسين على الأرجح ، وصلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة آنذاك ، وقد بلغت سبعين سنة فرحمها الله
أم حبيبة بنت أبي سفيان
" قد كـان يكـون بيننـا ما يكـون بيـن الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك "
أم حبيبة
هي:
رملـة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
وُلِدَت قبل البعثة بسبعـة عشر عاماً ، أسلمت قديماً وهاجرت الى الحبشة
مع عبيد الله بن جحش ، تُكنّى أم حبيبة ، تزوّجها رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- وهي في الحبشة ، وقدمت عليه سنة سبع
الهجرة والمحنة
لمّا اشتد الأذى من المشركين على الصحابة في مكة ، وأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمستضعفين بالهجرة بدينهم الى الحبشة ، هاجرت أم حبيبة مع زوجها عُبيد الله بن جحش معَ من هاجر من الصحابة إلى الحبشة ، لقد تحمّلت أم حبيبة أذى قومها ، وهجر أهلها ، والغربة عن وطنها وديارها من أجل دينها وإسلامها وبعد أن استقرت في الحبشة جاءتها محنة أشد وأقوى ، فقد ارتـد زوجها عن الإسـلام وتنصّر ، تقول أم حبيبـة -رضي الله عنها- ( رأيت في المنام كأن زوجي عُبيد الله بن جحش بأسود صورة ففزعت ، فأصبحت فإذا به قد تنصّر ، فأخبرته بالمنام فلم يحفل به ، وأكبّ على الخمر حتى مات
الزواج المبارك
فأتاني آت في نومي فقال ( يا أم المؤمنين ) ففزعت ، فما هو إلا أن انقضتْ عدّتي ، فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن ، فإذا هي جارية يُقال لها أبرهة ، فقالت
( إن الملك يقولُ لك : وكّلي مَنْ يُزوِّجك ) فأرسلت إلى خالـد بن سعيـد بن العـاص بن أمية فوكّلته ، فأعطيتُ أبرهة سِوارين من فضّة )
فلمّا كان العشيّ أمرَ النجاشي جعفـر بن أبي طالـب ومَنْ هناك من المسلميـن
فحضروا ، فخطب النجاشي فحمد اللـه تعالى وأثنى عليه وتشهـد ثم قال
( أما بعد ، فإن رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- كتب إليّ أن أزوّجه أم حبيبة ، فأجبت وقد أصدقتُها عنه أربعمائة دينار ) ثم سكب الدنانير ، ثم خطب خالـد بن سعيـد فقال ( قد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- وزوّجته أم حبيبة ) وقبض الدنانير ، وعمل لهم النجاشي طعاماً فأكلوا
تقول أم حبيبة -رضي الله عنها- ( فلمّا وصل إليّ المال ، أعطيتُ أبرهة منه خمسين ديناراً ، فردتّها عليّ وقالت ( إن الملك عزم عليّ بذلك ) وردّت عليّ ما كنتُ أعطيتُها أوّلاً ثم جاءتني من الغَد بعودٍ ووَرْسٍ وعنبر ، وزبادٍ كثير -أي طيب كثير- ، فقدمتُ به معي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولمّا بلغ أبا سفيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نكح ابنته قال ( هو الفحلُ لا يُجْدَعُ أنفُهُ ) أي إنه الكُفء الكريم الذي لا يُعاب ولا يُردّ
عودة المهاجرة
لقد كانت عـودة المهاجـرة ( أم حبيبة ) عقب فتح النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- خيبر ، عادت مع جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين الى الحبشة ، وقد سُرَّ الرسـول -صلى الله عليه وسلـم- أيّما سرور لمجـيء هؤلاء الصحابـة بعد غياب طويل ، ومعهم الزوجة الصابرة الطاهرة وقد قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- ( والله ما أدري بأيّهما أفرحُ ؟ بفتح خيبر ؟ أم بقدوم جعفر )
الزفاف المبارك
وما أن وصلت أم حبيبة -رضي الله عنها- الى المدينة ، حتى استقبلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسرور والبهجة ، وأنزلها إحدى حجراته بجوار زوجاته الأخريات ، واحتفلت نساء المدينة بدخول أم حبيبة بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن يحملن لها إليها التحيات والتبريكات ، وقد أولم خالها عثمان بن عفان وليمة حافلة ، نحر فيها الذبائح وأطعم الناس اللحم
واستقبلت أمهات المؤمنين هذه الشريكة الكريمة بالإكرام والترحاب ، ومن بينهن العروس الجديدة ( صفية ) التي لم يمض على عرسها سوى أيام معدودات ، وقد أبدت السيدة عائشة استعدادا لقبول الزوجة الجديدة التي لم تُثر فيها حفيظة الغيرة حين
رأتها وقد قاربت سن الأربعين ، وعاشت أم حبيبة بجوار صواحبها الضرائر مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل أمان وسعادة
أبو سفيان في بيت أم حبيبة
لقد حضر أبو سفيان ( والد أم حبيبة ) المدينة يطلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يمد في أجل الهدنة التي تمّ المصالحة عليها في الحديبية ، فيأبى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الطلب ، فأراد أبو سفيان أن يستعين على تحقيق مراده بابنته ( زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم-) فدخل دار أم حبيبة ، وفوجئت به يدخل بيتها ، ولم تكن قد رأته منذ هاجرت الى الحبشة ، فلاقته بالحيرة لا تدري أتردُّه لكونه مشركاً ؟ أم تستقبله لكونه أباهـا ؟ وأدرك أبو سفيان ما تعانيـه ابنته ، فأعفاها من أن تأذن له بالجلـوس ، وتقدّم من تلقاء نفسه ليجلس على فراش الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ، فما راعه إلا وابنته تجذب الفراش لئلا يجلس عليه ، فسألها بدهشة فقال
( يا بُنيّة ! أرغبتِ بهذا الفراش عني ؟ أم بي عنه ؟) فقالت أم حبيبة
( بلْ هو فراشُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت امرءٌ نجسٌ مشركٌ )
فقال ( يا بُنيّة ، لقد أصابك بعدي شرٌّ ) ويخرج من بيتها خائب الرجاء
إسلام أبو سفيان
وبعد فتح مكة أسلم أبو سفيان ، وأكرمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال
( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ) ووصل هذا الحدث المبارك الى أم المؤمنين ( أم حبيبة ) ففرحت بذلك فرحاً شديداً ، وشكرت الله تعالى أن حقَّق لها أمنيتها ورجاءَها في إسلام أبيها وقومها
وفاتها
وقبل وفاتها -رضي الله عنها- أرسلت في طلب السيدة عائشة وقالت
( قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فتحلَّليني من ذلك )
فحلّلتها واستغفرت لها ، فقالت
( سررتني سرّك الله )
وأرسلت بمثل ذلك الى باقي الضرائر وتوفيت أم حبيبة -رضي الله عنها-
سنة أربع وأربعين من الهجرة ، ودفنت بالبقيع
مارية القبطيّة
" استوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذِمّة ورحِماُ "
حديث شريف
هي :
ماريـة بنت شمعون القبطيـة ، أهداها له المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية
ومصر ، وذلك سنة سبع من الهجرة ، أسلمت على يدي حاطـب بن أبي بلتعة وهو
قادم بها من مصر الى المدينـة ، وكانت -رضي الله عنها- بيضاء جميلة ، وكان
الرسول -صلى الله عليه وسلم- يطؤها بملك اليمين ، وضرب عليها الحجاب ، وفي
ذي الحجـة سنة ثمان ولدت له إبراهيم الذي عاش قرابـة السنتيـن ، وكانت أمها
روميّة ، ولها أخـت قدمت معها اسمها سيرين ، أهداها النبـي -صلى اللـه عليه
وسلم- لشاعره حسّان بن ثابت ، وقد أسلمت أيضاً مع أختها
هدايا المقوقس
بعد أن استتـب الأمن للمسلميـن ، وقوية هيبتهم في النفـوس ، أخذ الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- يوجه الرسل والسفراء لتبليغ رسالة الإسلام ، ومن أولئك
( المقوقس عظيم القبط ) وقد أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسولاً إليه وعاد حاطب الى المدينة مُحَمّلاً بالهدايا ، فقد أرسل المقوقس معه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشياء كثيرة : مارية وأختها سيرين ، وغلاماً خصياً أسوداً اسمه مأبور ، وبغلة شهباء ، وأهدي إليه حماراً أشهب يقال له يعفور ، وفرساً وهو اللزاز ،وأهدى إليه عسلاً من عسل نبها -قرية من قرى مصر-
وقبِل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الهدايا ، واكتقى بمارية ، ووهب أختها الى شاعره حسان بن ثابت وطار النبأ الى بيوتات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قد اختار مارية المصرية لنفسه ، وكانت شابة حلوة جذابة ، وأنه أنزلها في منزل الحارث بن النعمان قرب المسجد
مارية أم إبراهيم
ولقد سعدت مارية أن تهب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الولد من بعد خديجة التي لم يبقَ من أولادها سوى فاطمة -رضي الله عنها- ، ولكن هذه السعادة لم تُطل سوى أقل من عامين ، حيث قدّر الله تعالى أن لا يكون رسوله -صلى الله عليه وسلم- أباً لأحد ، فتوفى الله تعالى إبراهيم ، وبقيت أمه من بعده ثكلى أبَد الحياة
فقد مَرِض إبراهيم وطار فؤاد أمه ، فأرسلت إلى أختها لتقوم معها بتمريضه ، وتمضِ الأيام والطفل لم تظهر عليه بوارق الشفاء ، وأرسلت الى أبيه ، فجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليرى ولده ، وجاد إبراهيم بأنفاسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَدَمِعَت عيناه وقال ( تَدْمَع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يُرْضي ربَّنا ،
والله يا إبراهيم ، إنا بك لَمَحْزونون )
وصية الرسول
قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- ( إنّكم ستفتحون مِصـر ، وهي أرض يُسمّى فيها القيـراط ، فإذا فتحتوها فأحسنوا إلى أهلها ، فإن لهم ذمة ورَحِماً ) وقد حفظ الصحابة ذلك ، فها هو الحسن بن علي -رضي الله عنهما- يكلّم معاوية بن أبي سفيان لأهل
( حفن ) -بلد مارية- فوضع عنهم خراج الأرض كما أن عبادة بن الصامت عندما أتى مصر فاتحاً ، بحث عن قرية مارية ، وسأل عن موضع بيتها ، فبنى به مسجداً
وفاتها
وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقيت مارية على العهد إلى أن توفاها الله في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر محرم سنة ست عشرة رضي الله عنها وأرضاها